محامي دفاع «حادث سار»: الدفاع عن المتهم يضمن تطبيق العدالة ولا يعني تبرير الجريمة
الوطن نيوز -
زيد أيمن
  • ما واجهته من ضغوطات وانتقادات طبيعي أمام قضية صدمت الرأي العام
  • الانتقادات طالتني لدرجة السؤال: "كيف تنام وأنت تدافع عن قاتل؟"
  • الشارع يتأثر بالعاطفة.. لكن دور المحامي يظل قانونياً بحتاً
  • تعاملت مع القضية بكل مهنية واحترافية وقوة وثبات حتى آخر جلسة
  • حق الدفاع مكفول بالدستور مثل حق السكن والصحة والتعليم

أكد أحمد طوق، محامي الدفاع في قضية "حادث سار" التي هزت الشارع البحريني أن توليه الدفاع عن المتهم لم يكن دفاعاً عن الجريمة بحد ذاتها، بل التزاماً بدوره المهني في ضمان حق أي متهم في الحصول على محاكمة عادلة، معتبراً أن الضغوطات والانتقادات التي وُجهت له كانت طبيعية أمام قضية صدمت الرأي العام.

وأوضح طوق، في حوار أجرته معه "الوطن"، أن وجود المحامي لا يعني تبرير الفعل أو التهوين من المأساة الإنسانية، بل يهدف إلى إيصال صوت المتهم إلى القضاء وضمان تطبيق العدالة بكل أركانها، مؤكداً أنه تعامل مع القضية بالتعامل بكل حكمة وقوة وثبات في مواجهة هذه الضغوطات والانتقادات التي تلقاها عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أنه رغم كل الانتقادات حرص على تأدية دوره بكل مهنية واحترافية حتى آخر جلسة في القضية. وفيما يلي نص الحوار:

كيف تلقيت خبر حادثة سار، وما الذي دفعت إلى تولي هذه القضية؟

- بدايةً القضية طبعاً مست كل مواطن بحريني، كانت قضية أليمة إلى الجميع، أما بالنسبة إلى تولي هذه القضية، فأنا توليتها كأي محامي يتولى قضية دفاع، حيث تلقيت اتصالاً بطلب تولي هذه القضية، وأنا رحبت بهذه القضية من وجهة نظر أن المحامي ممكن يستلم أي قضية بغض النظر عن الدوافع المجتمعية أو الألم الإنساني.

بالتأكيد لا أستنكر ولا أستبعد الأسى الإنساني أو أتجاهله، لكن في الوقت نفسه يجب على المحامي أن يقوم بدوره بكل مهنية وحيادية، وذلك ضماناً لحقوق المتهم في تقديم الدفاع عن أي متهم.

ما هي التحديات الأولية في بداية القضية وردود الأفعال اللي أنت واجهتها شخصيا كمحام؟

- لا أسميها تحديات، ممكن نقدر نستخدم مصطلح "ضغوطات"، لأن كل الشعب البحريني والمجتمع البحريني كان واضحاً عنده أن التوجه في هذه القضية كان دافعاً إنسانياً بحتاً، "عاطفة فقط" دون اطلاع على تفاصيل القضية أو معرفة ملابساتها، فأنا تعاملت مع هذه القضية بالتعامل بكل حكمة وقوة وثبات في مواجهة هذه الضغوطات والانتقادات التي تلقيتها من مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وأديت دوري بكل مهنية واحترافية حتى آخر جلسة في القضية.

هل كنت متوقعاً ردود الأفعال، خصوصاً ظهور صورتك الشخصية في الأخبار وتداول اسمك بشكل واسع؟

- نحن بشكل عام كمحامين خلال عملنا المهني طوال سنوات خبرتنا، نتعرض إلى مثل هذه المواقف خاصة في حضور الجلسات من الخصوم، لذلك نحن نفهم المجتمع وعاطفته وشلون تتلقى هذه الأخبار، أو هذه القضايا، فأنا كنت متوقعاً من أول يوم استلمت فيها القضية أنني سأواجه هذه الانتقادات والضغوطات في وسائل التواصل الاجتماعي، فبالتالي أنا كنت متفهماً؛ لأن في النهاية فيها ألم إنساني، وكنت مستعداً لها، وتعاملت معها بكل حكمة وتاني.

بالنسبة لظهوركم الإعلامي، هل من الممكن أن يستفيد المحامي من الظهور الإعلامي المكثف؟

- أنا أعتقد أن الهدف الأساسي أو النتيجة المرجوة من الظهور الإعلامي إلى أي محامي في قضايا تهم الرأي العام هو نشر الوعي القانوني، حيث إن الكثير من الانتقادات والتعليقات التي جاءتني، حاولنا الرد عليها بشكل نفّهم فيه المجتمع دور المحامي في تحقيق قانونية الدفاع وأحقية المتهم في الدفاع في أي نوع من أنواع القضايا، وهذا حق الدفاع مكفول بالدستور مثل حق السكن وحق الصحة وحق التعليم، كذلك حق الدفاع مكفول بالدستور فبالتالي بغض النظر عن نوع القضية، يعتبر وجود المحامي هو ركن أساسي من تحقيق العدالة؛ لأن العدالة تتكون من ثلاثة أطراف، ادعاء يطالب بتطبيق الحق والقانون، ودفاع ينقل وجهة نظر المتهم إلى المحكمة، ويركز على تأكيد الضمانات المكفولة بنصوص القانون وسلطة قضائية مستقلة تفصل بين هذين الطرفين.

مثل هذه القضايا تشير الناس إلى الناحية الشرعية والإنسانية في عدم جواز الدفاع عن متهم تسبب بموت أسرة بريئة، ما هي العدالة في مثل هذه القضايا؟

- أولاً من الناحية الشرعية أن كل شخص متقاض سواء كان متهماً أو مجنياً عليه له الحق أن يصل صوته للقضاء، فبالتالي الأشخاص العاديون ممكن ألا تكون لديهم إمكانية لإيصال أصواتهم بشكل واضح واستخدام نصوص القانون، فبالتالي يأتي دور المحامي الأساسي لإيصال حق المتهم أو المتقاضي أيا كان نوعه إلى القضاء، لكي يكون صوته واضحاً ومسموعاً بتطبيق القانون، ولا يخرج عن تطبيق العدالة، وفي النهاية المحكمة هي التي تحكم حكماً يحترم من كافة الأطراف.

مع كثرة الأدلة التي أثبتت ضد المتهم، هل الدفاع عن المتهم بمثابة دفاع عن الجريمة؟

- وجود محامي يدافع عن أي متهم لا يعني تبرير الجريمة، ولا يعني قبول الفعل، وإذا المحامي في جلسة من الجلسات، وطالب البراءة لا يطلب البراءة، إلا بعد ما يحصل المحامي على أوراق أو أسانيد تؤهله لطلب البراءة في هذه القضية أو غيرها من القضايا، وبالتالي المحامي محكوم بأوراق القضية والأدلة التي موجودة لديه.

أم الشارع أو المجتمع لا يملك اطلاعاً على هذه القضية، حيث الجميع بدأ يتكلم من وجهة نظره الشخصية والعاطفية في الأساس دون الدخول في تفاصيل القضية والعلم بها، فالمحامي في جميع أحواله، أو في جميع القضايا إذا شاف إنه في دليل، أو في واقعة معينة في أوراق الدعوة تأهله بأن يطلب البراءة، فبتأكيد سيطالب فيها وذلك ضماناً لتحقيق العدالة وتحقيق النصوص القانونية، وفي النهاية الحكم يكون راجعاً للمحكمة.

أنت شخصياً تعرضت انتقادات لاذعة من الشارع البحريني، وكانت هناك تساؤلات كثيرة من الناس: "كيف يتحمل قلب هذه المحامي مثل هذه القضية؟ وكيف ينام في الليل؟

- منذ أول يوم، وفي قضايا سابقة وطوال خبرتي الممتدة 20 سنة في المحاماة تعرضت لحق هذه الانتقادات من قبل الخصوم، ومن قبل أهالي الخصوم، حيث دائماً نسمع كلمات مسيئة بأننا نترافع عن أشخاص ظالمين.

في رأي هذه وجهة نظر قاصرة من زاويتها الضيقة، لكن المحامي ينظر إلى القضية من جميع الأطراف، حيث ينظر إلى أدلة الاتهام، وينظر إلى أدلة أقوال المتهم وظروف الواقعة، فبالتالي هو يجمع بين هذه الأمور كلها، وبالتالي أنا كنت مستعداً نفسياً لهذه الانتقادات، وفي النهاية أنا أقدر الألم النفسي الذي كان يمر في الشارع البحريني، وأتفهم جميع التعليقات التي جاءتني خاصة التعليقات اللاذعة، فبالتالي هم معذورون، ونحن دورنا كمحامين نشر الوعي، وأنا في صفحتي على الإنستغرام نشرت شرحت دور المحامي في الدفاع عن المتهم، حتى لو كانت جريمة ينظر إليها المجتمع بأنها جريمة كبيرة جداً.

هل تعتقد أن بعض المحامين ممكن يتعرضون لضغوطات إعلامية ومجتمعية تخليهم يتأثرون في بعض الحالات، ويتنازلون عن بعض القضايا اللي هم مترافعين فيها؟

- لا يحق ولا يفضل للمحامي أن يعتذر عن تولي قضية عقب ما مسكها بسبب راجع فقط للضغط الإعلامي أو وجهة الرأي المجتمعي؛ لأن هذا ينفصل تماماً عن دور المحامي، لأن دوره هو تحقيق العدالة بعمل في إطار القانون والدستور، فبالتالي يجب أن يفصل المحامي ما بين الرأي المجتمعي وما بين دوره المهني كمهنة الدفاع.

هل رأيت حالات معينة لمحامين تعرضوا فيها لضغوطات، وتنازلوا عن قضاياهم؟

- لم أر حالات، ولكن بعض الزملاء كلموني، وقالوا لي من الأفضل أن أتنازل عن تولي هذه القضية؛ لأن المجتمع بأكمله سيكون ضدي، ولكني قلت لهم إذا أنا تنازلت وغيري من المحامي تنازل عن قضيته فأين سيذهب حق المتهم في الدفاع؟، فلا بد أن يكون حق المتهم في الدفاع موجوداً أمام القضاء، وذلك من بداية إجراءات التحقيق حتى صدور الحكم.

هذا يعطي انطباعاً إلى المجتمع أن القضية سارت بكل شفافية، ويعطي ثقة للمجتمع بأن الأحكام صدرت بشكل عادل وشفاف وبالتالي فإن أي محامي يتنازل عن ترافع لوجود ضغط مجتمعي أو إعلامي اعتبر بأنه لا بد أن يراجع نفسه، ويقوي نفسه أكثر، لأن الحقيقة والحق والقانون يجب أن يكون أقوى من الرأي المجتمعي الذي يؤخذ أو يصدر من أمور إنسانية وعاطفي.

هل رأيت تغييراً في حياتك الشخصية من قبل معاملة الناس لك بعد تولي القضية؟

- الناس إلى من دائرتي انشقوا بين قسمين، قسم متعاطف مع الضحايا وأنا أولهم عندما سمعت الخبر، مثل ما قلت لك أي مواطن بحريني تأثر إنسانياً بالخبر، وقسم ثاني كان يؤيدني ويدعمني ويقول لي واصل، ولا تهتم بهذه التعليقات السلبية؛ لأن هذه التعليقات السلبية ناتجة عن قلة الوعي القانوني.

مع وجود أدلة واضحة ورسمية ضد المتهم، كيف يستطيع المحامي الدفاع عنه، هل يضطر للكذب؟

- هذه من الأمور الخاصة بالقضية ولا يجوز التطرق فيها والخوض فيها، الأدلة عُرضت أمام المحكمة والدفاع تم تقديمه من قبلنا وناقشنا فيه جميع أدلة الإثبات، وقدمنا فيه ما يبرر طلبنا للبراءة، والحكم في النهاية صدر ونحترم كلمة القضاء.

فيما يلي بعض التعليقات من الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. ما ردك عليهم؟

"تخيل لو المتوفى أخوك واليتامى أبناء أخوك، هل تقدر تدافع عن قاتلهم"

"أين ستذهب من قاضي السماء"

"أهم شيء الفلوس عند المحامين"

"لا يجوز شرعاً للمحامي تولي نوع من هذه القضايا"

"لو أنا محامي أسكر مكتبي، ولا أدافع عن مجرم"

"دينكم ديناركم"

"المحاماة أكثر مهنة مكروهة"

- يعني لو تنظر إلى هذه التعليقات كلها، وتنظر إليها من بعيد مثل ما قلت لك تفهم أنها ناتجة من ألم نفسي، وتعاطف 100% في القضية دون ربط هذا التعاطف مع نصوص القانون وحقوق المتهم والحق الدستوري في الدفاع، فطبيعي تصدر هذه التعليقات؛ لأنه مثل ما قلت لك الوعي القانوني قليل فيما يتعلق بإجراءات التقاضي وحق المتهم في الدفاع.

كلمة أو رسالة تحب أن توجهها للجمهور فيما يتعلق بهذه القضية، أو فيما يتعلق بالمحاماة بشكل عام؟

- كلمة عامة أريد توجيهها للناس من ملاحظاتي للتعليقات، بأنه من المهم أن يتحلوا بالوعي القانوني، حيث يجب أن يدرس الموضوع، وينظر إليه من البعدين أو الجانبين، جانب الضحية وجانب المتهم، ونحن أمام دولة قانون أرست فيها العدالة، وأسس القانون موجودة بنص القانون.

في القانون توجد ضمانات كثيرة للمتهم يجب تطبيقها، وهذا دور المحامي أن يكون حاضراً للترافع لضمان حصول المتهم على كافة الضمان القانونية وإيصال صوته للعدالة وللمحكمة، فبالتالي وجود المحامي في أي نوع من أنواع القضايا، حتى لو كانت قضية هزت الرأي العام، هذا لا يتعارض من مهنيته وأخلاقية المحامي، ولا يطعن فيه.

في نهاية الأمر أي شخص ممكن أن يتعرض لحادث مروري أول شيء يفكر فيه أين المحامي الجيد الذي يمكن أن يتولى هذه القضية، خاصة أننا نتحدث عن قضية حادث مروري يمكن أن تحدث لأي أحد، حيث إن الخطأ وارد في الشارع، فبالتالي نكون أمام محاكمة ونلجأ طبعاً إلى المحامي، وهنا يأتي دورنا كمحامين، ونحن لا نبرر الجريمة، ولا نبرر أي فعل إجرامي، ولكن وجودنا في أي قضية للترافع هو ضمان حصول المتهم على محاكمة عادلة.



إقرأ المزيد