رحلة درع الجزيرة عبر 4 عقود من المنامة... حكاية تأسيس أول قوة خليجية مشتركة
جريدة البلاد -
في خضم التحولات الأمنية التي شهدتها منطقة الخليج العربي أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات وعلى وقع الحرب العراقية الإيرانية التي شكّلت تهديدًا مباشرًا لاستقرار الإقليم، برزت الحاجة الملحة لدى دول الخليج إلى بناء منظومة دفاع جماعية تنبع من وحدة المصير والمصالح والجغرافيا، وقد تعزز هذا التوجه مع قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالعام 1981 حين أقر قادته مبدأ الأمن الجماعي كركيزة للاستقرار الإقليمي واعتبروا أن أي اعتداء على دولة عضو هو اعتداء على الجميع وفي العام ذاته اجتمع رؤساء أركان الجيوش الخليجية في الرياض لبحث سبل التعاون العسكري المشترك وكانت تلك اللحظة التأسيسية إيذانًا بولادة أول قوة خليجية موحدة وخلال الدورة الثالثة للمجلس الأعلى لمجلس التعاون التي عقدت في المنامة في نوفمبر 1982 أعلنت الدول الأعضاء رسمياً إنشاء قوات درع الجزيرة كقوة عسكرية مشتركة لحماية الأمن الجماعي وتمركزت القوة في قاعدة الملك خالد العسكرية في حفر الباطن شمال السعودية بقوام أولي بلغ نحو خمسة آلاف جندي يمثلون جيوش الدول الست وبهذا أصبحت درع الجزيرة أول نموذج عسكري خليجي موحد يعمل تحت قيادة مشتركة لمواجهة التهديدات الخارجية. ومنذ تأسيسها شرعت هذه القوة في التطور التدريجي استجابة للمتغيرات الأمنية المتسارعة في المنطقة فخلال العامين 2005 و2006 أعيد هيكلة درع الجزيرة وتوسيع قوامها لتتحول من لواء إلى فرقة مشاة آلية متكاملة تشمل دعمًا قتاليًا وإداريًا معززًا بمدرعات ومدفعية بالإضافة إلى إضافة وحدات بحرية وجوية تحت مظلتها بما يضمن قدرتها على العمل المتكامل عبر مختلف المسارح العملياتية. وفي العام 2009 تقرر إنشاء وحدة تدخل سريع ضمن القوات لتعزيز قدرتها على الانتشار الفوري والاستجابة السريعة في حالات الطوارئ والأزمات المفاجئة بينما شكّل العام 2013 نقطة تحول في البنية القيادية حين قرر المجلس الأعلى إنشاء القيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون لتتولى الإشراف على جميع التشكيلات المشتركة بما في ذلك قيادة قوات درع الجزيرة ومراكز العمليات الجوية والبحرية التي أُلحقت بها لاحقًا.  ولم تكن تلك التطورات الهيكلية بعيدة عن الإطار القانوني والمؤسسي فقد تم في قمة المنامة بالعام 2000 توقيع اتفاقية الدفاع المشترك التي أرست الأساس القانوني للتعاون العسكري الملزم بين دول الخليج ونصّت على الالتزام بالدفاع الجماعي وتعزيز القدرات الدفاعية الموحدة بينما أقرّت قمة الكويت بالعام 2009 الإستراتيجية الدفاعية الخليجية الموحدة التي رسمت خريطة طريق للتكامل والتحديث العسكري داخل المجلس. واليوم وبعد أكثر من أربعة عقود من تأسيسها تُعدّ قوات درع الجزيرة الذراع الدفاعية المتقدمة لدول مجلس التعاون وتعمل تحت مظلة القيادة العسكرية الموحدة ضمن هيكل متكامل يضم تشكيلات برية وجوية وبحرية وتواصل تنفيذ المناورات والتدريبات المشتركة بهدف رفع الجهوزية وتوحيد العقيدة العملياتية. درع الجزيرة لم تعد مجرد مبادرة عسكرية بل تحوّلت إلى نموذج حي على الإرادة السياسية الخليجية في بناء أمن جماعي يستند إلى الكفاءة والتكامل والاعتماد الذاتي.

إقرأ المزيد