بي بي سي - 10/20/2025 8:15:47 AM - GMT (+3 )

- Author, فوندانور أوزتورك و كاون خاموش
- Role, بي بي سي
بدا سعد الدين كاراغوز، بالنسبة لنساء سوريات كنّ في أمسّ الحاجة للمساعدة، في بداية الأمر، وكأنه "ملاك" أُرسل من السماء. وفي نظر كثيرين في مجتمعه، يُعرف بلقب "جدّ اللاجئين".
لكن تحقيقاً أجرته بي بي سي نيوز التركية واستمر لمدة عام، كشف عن مزاعم تضع صاحب الجمعية الخيرية التركية في قلب فضيحة إساءة جنسية طالت بعضاً من النساء الأكثر ضعفاً في العاصمة التركية أنقرة. بينما ينفي هو جميع هذه المزاعم.
حي ألتنداغ يُعرف باسم "حلب الصغيرة" نسبةً إلى المدينة السورية، لأن آلاف اللاجئين السوريين يعيشون فيه. وهناك أسّس السيد سعدالدين كاراغوز جمعيته الخيرية عام 2014.
وتستضيف تركيا واحدة من أكبر مجموعات اللاجئين في العالم، وتُعتبر منظمات خيرية هناك مثل منظمته "شريان حياة"، خصوصاً للنساء، إذ أن كثيرات منهن لا يعملن.
من بين هؤلاء النساء، مدينة، التي فرّت من الحرب السورية في عام 2016، عندما اشتدت المعارك في مدينتها حلب.
تقول إنه بعد عامين، أصيب أحد أطفالها الثلاثة بمرض خطير، وتخلى عنها زوجها. وبعد أن تُركت لتعتني بأطفالها وحدها في أنقرة، تقول إنها كانت في حالة يأس بحثاً عن المساعدة.
توجّهت إلى منظمة سعدالدين كاراغوز، المعروفة باسم "أومت خير مغازاسي" أو "متجر الأمل الخيري"، حيث تُجمع التبرعات مثل الحفاضات والمعكرونة والزيت والحليب والملابس، وتوزّع على اللاجئين.
تقول مدينة: "قال لي: 'بابي مفتوح لكِ'". وتتذكر أن كاراغوز أضاف: "عندما لا يكون لديكِ مكان تذهبين إليه، تعالي إليّ وسأعتني بكِ".
لكن عندما تواصلت معه، تقول مدينة إنه تغير. وتقول إنها لاحظته يلمس النساء في المتجر دون إذنهن، وإنه لمسها أيضاً. وفي زيارتها الأخيرة للجمعية الخيرية، تقول إن الأمور تفاقمت.
وتصف كيف طلب منها كاراغوز الذهاب معه إلى ركن خلف ستارة في المكتب لإحضار بعض الإمدادات.
وتقول: "أمسك بي وقال لي إنه معجب بي. بدأ بتقبيلي... بدأت بالصراخ، وقلت له أن يبتعد عني. لو لم أصرخ، لكان حاول اغتصابي".
وتوضح مادينا أنها تمكنت من الفرار من المبنى وأخبرت السيد كاراغوز أنها ستبلّغ عنه للشرطة.
لكنها تقول إنه ظل يحاول إقناعها "بالذهاب إليه"، وفي أحد الأيام ذهب إلى منزلها، وطرق الباب بصوت عالٍ، طالباً منها أن تفتحه.
تقول: "قال كلاماً فظيعاً". وتضيف وهي تحاول جاهدةً حبس دموعها: "لم أفتح الباب لأنني كنت مرعوبة"، موضحةً أنه هددها بإعادتها إلى سوريا.
ولخوفها من العواقب، تقول مدينة إنها لم تذهب إلى الشرطة أبداً، ولم تخبر أحداً بما حدث.
وينفي كاراغوز، وهو موظف بنك متقاعد، هذه الادعاءات.
صرح لبي بي سي أن منظمته ساعدت أكثر من 37 ألف شخص، غالبيتهم من اللاجئين. ويقول إن منطقة توزيع المساعدات في المؤسسة الخيرية صغيرة ومزدحمة، وتخضع للمراقبة عبر كاميرات CCTV، لذلك ليس من الممكن أن يكون بمفرده مع أي امرأة.
وعلى مدار سنوات، اكتسبت مؤسسته الخيرية شهرة واسعة، وفازت بجائزة من صحيفة محلية عام 2020. وعُرضت أعمالها على التلفزيون الوطني، ويقول إنه حظي بدعم من منظمات محلية ودولية.
لكن في المجمل، قالت ثلاث نساء، من بينهن مدينة، لبي بي سي إن السيد كاراغوز اعتدى عليهن جنسياً وتحرش بهن. ويقول سبعة أشخاص آخرين، من بينهم موظفان سابقان في مؤسسته الخيرية، إنهم إما شهدوا، أو سمعوا شهادات مباشرة، عن ارتكابه أعمال اعتداء جنسي بين عامي 2016 و2024.
ويقول أحد الموظفين السابقين: "كانت هناك غرفة صغيرة خلف مكتبه نضع فيها طرود المساعدات. اعتدنا رؤيته يتحرش بالنساء في تلك الغرفة".
تقول ندى، اللاجئة السورية البالغة من العمر 27 عاماً، إنه عندما عرض عليها كاراغوز المساعدة في البداية، "شعرت وكأنه ملاك أُرسل لمساعدتها".
لكنها تقول إنه في أول زيارة لها لمنظمته، قال لها إنه لن يقدم لها المساعدة إلا إذا ذهبت معه إلى شقة خالية. وتضيف ندى أن السيد كاراغوز قال لها: "لن نتأخر، لن يستغرق الأمر سوى 10 دقائق... إن لم تفعلي، فلن أعطيكِ شيئاً".
كانت مع زوجة أخيها، وتقول إنهما خرجتا غاضبتين.
تصف ندى كيف عاشت مع زوجها وأطفالها في شقة متواضعة في أنقرة، خالية من أي مستلزمات أساسية، مثل الثلاجة. ولأنها كانت في أمسّ الحاجة إلى مساعدة أسرتها، أوضحت أنها لم تكن تعرف إلى أين تلجأ، فعادت إلى المتجر.
وفي إحدى المرات، تقول ندى إن كاراغوز اصطحبها إلى ركن خلف ستارة ليجلب حفاضات لابنها. وتروي: "كان يحمل الحفاضات في يد، واليد الأخرى كانت حرة… حاول أن يلمس صدري".
وتروي كيف قال لها كاراغوز: "لا تتوتري، هذا طبيعي".
وفي المرة التالية التي عادت فيها، تضيف ندى: "جاء من خلفي وأمسك بيدي… وأجبرني على لمس أعضائه التناسلية… كان كوحش يهاجمني".
وتقول: "كان جسدي كله يرتجف… كنت أبكي"، مضيفةً أنه قال لها: "اهدئي، هذا طبيعي، لن يستغرق وقتاً طويلاً". لكنها تمكنت من الفرار، وحذّرت نساءً أخريات خارج المتجر من الدخول إليه.
وتقول ندى إن تلك كانت آخر مرة ذهبت فيها إلى سعد الدين كاراغوز لطلب المساعدة.
وتوضح أنها، خوفاً من وصمة العار المرتبطة بالاعتداء الجنسي، وخشية أن تُلام، لم تشعر بأنها قادرة على إخبار أحد بما حدث، حتى زوجها.
المرأة الثالثة التي أخبرت بي بي سي أن كاراغوز اعتدى عليها هي بتول، وانتقلت لتعيش في ألمانيا.
بتول أم عزباء لثلاثة أطفال، تقول إنها لجأت إليه طلباً للمساعدة. تروي: "عندما استدرتُ لآخذ حصتي من المساعدات، وضع يديه على مؤخرتي".
"انزعجتُ. غضبتُ منه... دفعته. تركتُ المساعدة وخرجتُ من المتجر".
وتأمل بتول أن يساعد حديثها العلني في دعم "نساء كثيرات يعانين ما مررتُ به".
يشار إلى أن هذه الشهادات ليست الأولى التي تظهر ضد كاراغوز، إذ استجوبه ضباط الشرطة مرتين على الأقل في الماضي.
وبحسب وثائق قانونية، اتهمته امرأة في عام 2019 بالتحرش والاعتداء الجنسيين. لكن المدعي العام التركي قرر عدم وجود أدلة كافية لمحاكمته.
في عام 2022، أجرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدة مقابلات سرية بعد أن علمت بالادعاءات ضد كاراغوز. وفي عام 2025، داهمت الشرطة متجره، وعلّقت أعماله، واستجوبته بشأن ادعاء جديد بالتحرش الجنسي.
أطلعنا محامو كاراغوز على تقرير من مكتب المدعي العام صدر في يونيو/حزيران من هذا العام، وأظهر قراراً بعدم محاكمته لعدم كفاية الأدلة.
تؤكد كل من الأمم المتحدة والشرطة أنهما تأخذان الادعاءات على محمل الجد، لكنهما غير قادرتين على اتخاذ أي إجراءات إضافية لأن الضحايا والشهود غير مستعدين لتقديم شكاوى رسمية.
أخبرتنا بعض النساء أنهن لا يشعرن بالأمان للإدلاء بشهاداتهن، إذ يخشين أن يؤدي ذلك إلى تعرضهن للمضايقة أو الترحيل.
عرضنا الاتهامات على كاراغوز، فنفى جميع المزاعم، وادّعى أنها لو كانت صحيحة لتقدّمت نساء أكثر بشكاوى ضده.
وقال إنه "قد يشتكي ثلاثة أشخاص، أو خمسة، أو عشرة، مثل هذه الأمور تحدث. لكن لو قلتَ إن مئة أو مئتين اتهموني، عندها يمكن تصديق أنني قمت بذلك حقاً".
وأضاف أنه مصاب بداء السكري وارتفاع ضغط الدم، وعرض علينا تقريراً طبياً يتضمن تفاصيل عملية جراحية خضع لها عام 2016 لاستئصال خصيته اليسرى، وقال إن هذا يعني أنه لم يعد قادراً على ممارسة أي نشاط جنسي.
سألنا أتيس كاديوغلو، أستاذ جراحة المسالك البولية، ومتخصص في الصحة الجنسية للرجال في جامعة إسطنبول، عما إذا كان للإجراء الذي خضع له السيد كاراغوز هذا التأثير. فأجاب بأنه عند استئصال خصية واحدة، "يبقى مستوى هرمون التستوستيرون عند 90 في المئة، ولهذا السبب لا يؤثر ذلك على الحياة الجنسية للشخص".
وعندما عرضنا ذلك على السيد كاراغوز، أصرّ على أن النشاط الجنسي "غير ممكن بالنسبة لي".
كما واجهناه برأي يقول إن الاعتداء الجنسي قد يكون بدافع الرغبة في السلطة والسيطرة، لا بدافع الشهوة، فأجاب: "أنا شخصياً لا أشعر بمثل هذه الرغبة".
"كل ما فعلناه هو أعمال خيرية، وهذا ما نناله، لكننا لن نسمح لكلمات ثلاثة أو خمسة أشخاص أن تُحطمنا".
وقال السيد كاراغوز إن النساء اللواتي اتهمنه بالاعتداء عليهن في الماضي فعلن ذلك لأنه أبلغ عنهن للشرطة بتهمة بيع المخدرات أو التورط في أنشطة غير قانونية أخرى، وأن الادعاءات الكاذبة المماثلة التي وُجهت إليه في الماضي قد رفضتها النيابة العامة.
أنكرت جميع النساء اللواتي تحدثنا إليهن تورطهن أو تورط أقاربهن في أي جريمة، ولم ترَ بي بي سي أي دليل يشير إلى ذلك.
في مارس/آذار من هذا العام، غيّر السيد كاراغوز اسم منظمته إلى (بير إيفيم أسفي ديرنيجي) -أي جمعية وجبتي المنزلية، وسجلها رسمياً كجمعية خيرية لدى السلطات، وهو أمر لم يفعله من قبل.
انتقلت مدينة إلى منزل جديد وغيرت رقم هاتفها، لكنها تقول إنها لا تزال ترى السيد كاراغوز في كوابيسها. "لم أستطع الوثوق بأي رجل... أصبحتُ منعزلة ومكتئبة، أردتُ الموت". "كان أطفالي هم ما يُعينني على الاستمرار"، تقول.
وتقول أيضاً إنها ركزت جهودها على محاولة إنقاذ حياة ابنها، لكنه توفي في السابعة من عمره.
وحالياً بعد عشر سنوات في تركيا، حصلت عائلتها على موافقة لإعادة توطينها في بلد آخر. ورغم سعادتها بفرصة البدء من جديد، إلا أنها تشعر بالقلق على النساء الأخريات.
وتقول: "ما زالت لدي صديقات يذهبن إليه طلباً للمساعدة… إنه صاحب نفوذ كبير، وحتى لو اشتكينا، من سيستمع إلينا؟ من يهتم بأوضاعنا؟".
*وفقاً لطلبهما، غيّرنا أسماء مدينة وندى.
إقرأ المزيد