إيلاف - 11/18/2025 2:51:24 PM - GMT (+3 )
عندما تنظر إسرائيل إلى سوريا، ترى في وقت واحد فرصاً وأخطاراً. وأهمّ مصدر هو أن الرئيس السوري أحمد الشرع وإسرائيل ينظران إلى إيران و"محور المقاومة" الذي أسّسته باعتبارهما عدوّين. فسوريا لم تعد وسيلة ارتباط وتواصل داخل المحور الإيراني. أحد أسباب ذلك الانتصارات العسكرية التي حققتها إسرائيل على إيران أو حلفائها خلال السنتين الماضيتين. فإسرائيل والشرع يهدفان إلى منع "حزب الله" من العودة مجدداً إلى سوريا، وهما يعملان لمواجهة عمليات تهريب السلاح عبر حدودها. إلى ذلك، ترحّب إسرائيل بتوق الشرع إلى علاقات قوية مع الولايات المتحدة. في هذا المجال، قد ترى إسرائيل سوريا فرصةً كبيرة، بل أكبر من لبنان والمملكة العربية السعودية أو أيّ دولة أخرى في المنطقة. في الوقت نفسه، يبدو الإسرائيليون قلقين من الماضي "العسكري والنضالي" للشرع ومن توجهه الإسلامي المتطرّف في حينه. وهم لا يعتبرون موقفه من دروز بلاده إدماجياً لهم في الدولة التي يؤسّس. أثبت لهم ذلك بالعنف الذي مارسه أو الذي لم يمنع ممارسته معهم في محافظة السويداء مثلاً. فالدروز فاعلون في إسرائيل رغم كونهم شعباً صغيراً داخلها. يخدم بعضهم في جيشها. لذا هي تسعى إلى تأمين سلامة دروز سوريا لكنها لا ترغب في رؤية سوريا مقسّمة. ما يُقلق إسرائيل أيضاً في رأي عضو مهم في مركز أبحاث أميركي جدي كان سابقاً سفيراً لها في واشنطن، هو احتمال "عسكرة" جنوب سوريا بواسطة عناصر معادية تتمركز هناك وتشكّل خطراً قوياً قريباً من الحدود مع إسرائيل. إذ بعد "طوفان حماس" في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 لن تتساهل إسرائيل مع التهديدات في المحيط المباشر لها كدولة. مع سوريا، هي تسعى إلى اتفاق نزع سلاح، ولكن مع هيكلية جديدة تختلف عن اتفاق فض الاشتباك الذي أُقر واعتُمد عام 1974، والذي تجاوزه الزمن والظروف والتطورات. ما يُقلق إسرائيل في رأيه أيضاً هو طموحات تركيا في سوريا، وخصوصاً رغبتها في إقامة حضور عسكري لها هناك. لهذا السبب، وإن جزئياً على الأقل، قصفت القوات الإسرائيلية قواعد عسكرية سورية كانت تفكّر أنقرة في استخدامها بواسطة قواتها مباشرةً. يبدو أن تركيا مصمّمة على محاولة ملء بعض الفراغ الذي تركته إيران بعد فرض خروجها من سوريا، وربما على تأسيس محور سنّي إسلامي سياسي في كل الشرق الأوسط، والذي لا بد أن يكون بالوراثة معادياً لإسرائيل. لمواجهة القلق الصعب ذي المعنى العميق جداً، ترغب إسرائيل في اتفاق يسمح لها بحرية الحركة في سوريا، مشابهٍ أو مماثلٍ لـ"الاتفاق" الذي رعت قيامه أميركا بين إسرائيل ولبنان أو لمضامينه قبل نحو شهرين. قبل توقف أو تردّي المفاوضات مع دمشق كان تحقّق تقدّم حقيقي على طريق التفاهم على معاهدة عدم اعتداء. على الولايات المتحدة أن تتولى القيادة لدفع هذه المفاوضات قدماً باعتبارها الدولة الوحيدة التي تستطيع أن تكون ضامناً لإسرائيل. فالأمم المتحدة لا تستطيع القيام بهذا الأمر نتيجة اختباراتها السلبية مع هذا الجسم، ولا سيما في محاولات صنع السلام وبنائه وتقديم قوات تضم مراقبين جدّيين. ماذا عن إسرائيل وروسيا بعد خروج سوريا من فلك الثانية على يد أحمد الشرع وقواته؟ تقول باحثة أميركية متخصّصة في الشرق وقضاياه إن روسيا تنفّذ لعبةً طويلةً في سوريا، وليس هناك إشارة إلى أن دمشق ستتخلّى عن موسكو. فإضافةً إلى التاريخ الطويل لروسيا في سوريا، فإنها تؤدي دوراً مهماً انطلاقاً من رغبة رئيسها فلاديمير بوتين في نشر سلطته ونفوذه في الشرق الأوسط. وفي حين أن سقوط بشار الأسد ونظامه تسبّب بتراجع مهم لموسكو، فإنه لم يردع بوتين عن متابعة العمل بتأكيد نفسه وزعامته في هذه المنطقة من العالم. فلروسيا قواعد عسكرية في سوريا، وهي بقيت من نظام الأسد. التطوّر اللافت والصارخ كان المساعدة التي وفّرها للأسد كي يرتكب جرائمه ضد شعبه كما ضد "هيئة تحرير الشام" التي كان يقودها أحمد الشرع الزعيم الرسمي الجديد لسوريا في أيامٍ سابقة. أما سبب إستمرار العلاقات بين موسكو ودمشق فهو عيش الثانية وقتاً صعباً، إذ لا تستطيع أن تتخلّى عن طباعة روسيا عملتها الورقية وعن الحصول على مساعدات عسكرية منها لتلبية حاجات جيشها الروسي التسليح كلياً. لا يبدو أن هناك بديلاً من روسيا في هذه المجالات حتى الآن. إلى ذلك، تنخرط روسيا الآن اقتصادياً، إذ توفر لسوريا النفط، وقد عادت إلى شحن القمح والحبوب إليها، كما سعت روسيا إلى الاحتفاظ بعلاقات بكل المتعاملين مع الملف السوري من داخل سوريا وخارجها. لا يبدو بوتين قلقاً من قمة الرئيسين ترامب والشرع. سوريا تسعى إلى إقامة علاقات مع الغرب وأوكرانيا. وهذا أمر لا يزعج روسيا. فبوتين يتابع الأحداث ويبدو واثقا من أن اهتمام واشنطن بسوريا سيكون قصيراً ومرتكزاً على أولويات خاطئة. لذا على الولايات المتحدة أن تبقى منخرطة في سوريا وأن تجعلها أولوية لمنع روسيا من الإفادة من الوضع القائم وتطوراته. وإذا استمر الالتزام والانخراط الأميركيان في سوريا، فإن تأثير موسكو داخلها قد يبدأ بالضعف. يبقى أخيراً أن سوريا هي اليوم بعد وقف النار في غزة الموضوع الأهم للولايات المتحدة، إذ يوفّر لها فرصة للنجاح في الشرق الأوسط من خلال توفير الأمن والاستقرار والتطور الاقتصادي. تبقى أيضاً وحدة سوريا مهمة لأن استمرار غيابها يغذي العنف واللايقين وشكوك المستثمرين.
إقرأ المزيد


