ملكات مصر
إيلاف -

في مصر الفرعونية حققت المرأة المصرية مكانة لا تزال النساء يحاولن نيلها أو حتى الوصول إليها في يومنا هذا وفي كل أرجاء العالم! بالطبع لن يصدق كثير من القراء هذه الحقيقة، خصوصاً ونحن نتحدث عن حضارة انقضت منذ أكثر من ألفي سنة، بعد أن عاشت واستمرت أكثر من ثلاثة آلاف سنة على ضفاف نهر النيل العظيم. ولكن إذا نظرنا إلى ما تركته لنا الحضارة المصرية القديمة نعرف أن المرأة كانت بالفعل ملكة تحكم في منزلها، ولها الكلمة والسلطة المطلقة في أن تدير شؤون الأسرة. وكان لقبها «نبت بر»، بمعنى سيدة المنزل. فكل امرأة متزوجة هي «نبت بر». والغريب أن قرين هذا اللقب هو «نب تاوي»، بمعنى سيد الأرضين، ويقصد بهما الشمال والجنوب أو الدلتا والصعيد، وهو لقب خاص بالملك وحده الجالس على العرش.

لقد أوصى حكماء وادي النيل، وعلى رأسهم الحكيم بتاح حتب، ابنه المقبل على الزواج بأن يصنع لنفسه منزلاً وأسرة، وأوصاه بزوجته وراحتها وشراء الثياب الجميلة والعطور والحلي لها لكي «يسعد قلبها». كما أنه أوصاه بعدم التدخل في شؤون زوجته، وأن يدع لها مهمة إدارة المنزل، ومن ضمن أجمل عبارات النصح والإرشاد ما قاله الحكيم لابنه: «لا تسأل زوجتك عن شيء فعلته في منزلها! لا تقل لها لماذا نقلتِ هذا أو لماذا تركتِ هذا؟».

كانت المرأة المصرية هي بحق سيدة العالم القديم، وهو اللقب الذي جعلته عنواناً للكتاب الذي قمت بتأليفه عن وضع المرأة في العصور الفرعونية، وقد تم نشره بمعظم لغات العالم منذ أكثر من عشرين عاماً. وكان أهم ما أكدته في مؤلفي هذا أن المرأة هي مَن لعبت الدور الأعظم في الحضارة المصرية، ويؤكد ذلك دور الإلهة إيزيس في الأسطورة المصرية القديمة التي جعلتها الزوجة المخلصة الوفية لزوجها، والتي حاربت كل قوى الشر، لتنقذ جسد زوجها المغدور به من أخيه الشرير ست. وبعد أن تلد إيزيس الوريث الشرعي لعرش مصر تقوم بإخفائه عن عيون عدوه، وترعاه وتحميه بمساعدة الإلهة حاتحور. وبعد أن يصير حورس شابّاً تدفع به أمه ليحارب عمه الشرير ويستعيد عرش أبيه.

لم يكن للمرأة في مصر القديمة الحق في أن تحكم وتجلس على عرش الحكم، وذلك لأنه ووفق المعتقد القديم، فإن مَن يحكم ويجلس على العرش ويقود الجيش يجب أن يكون ذكراً لأنه - أي الملك - هو تجسيد حي للإله حورس الصقر. وعلى الرغم من ذلك تمكَّنت بعض النساء خلال العصور الفرعونية المتأخرة من الجلوس على العرش وحكم البلاد، لكن أعتقد أن تجربة الملكة حتشبسوت هي أنجح تلك التجارب التي استمرت لما يقرب من عشرين عاماً، ازدهرت خلالها البلاد سياسياً واقتصادياً، بل معمارياً وفنياً أيضاً. كذلك هناك ملكات لم يحكمن لكنهن كُنّ من يقفن خلف الملوك، ويدرن شؤون البلاد، وأحياناً في أحلك الظروف مثل ظروف الحرب! ومثال على ذلك ملكات الأسرة السابعة عشرة كالملكة تتي شري، أم الملك سقنن رع، وجدة كل من كامس وأحمس، والملكة إياح حوتب الثانية، زوجة الملك كامس الذي يبدو أنه قُتل في الحرب مع الهكسوس، ووجدت ضمن كنوز مقبرتها قلادة الشجاعة التي كانت وقفاً على قادة وجنرالات الجيش المحاربين، لما قامت به من دور عظيم خلال حروب التحرير.

عملت المرأة المصرية في كل مكان، سواء المنزل أو الحقل أو المصنع. وقد أثبتنا بالأدلة الأثرية القاطعة أن المرأة المصرية أسهمت في بناء الأهرامات جنباً إلى جنب مع العمال والمهندسين بناة الأهرامات.



إقرأ المزيد