إيلاف - 11/21/2025 7:01:22 AM - GMT (+3 )
المهامُّ الطبيعية للجيوش هي الدفاع عن الحدود الوطنية، ومنع الغزاة من احتلالها. وحالةُ الجيش اللبناني لا تختلف عن بقية جيوش العالم في المهام والواجبات، فهو يواجه اعتداءاتٍ إسرائيلية يوميّة داخل أراضيه، ولا يمكن تسميتها إلا بالعدوانية، مهما كانت المبررات، فهي انتهاكٌ صريح للسيادة الوطنية. لذلك كان من الطبيعي جداً أن يسمّي الجيش أو القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمور بأسمائها. وبالنسبة لأغلب اللبنانيين، لم تزل إسرائيل عدوّاً وهي تحتل أراضي لبنانية، وتخرق أجواءه، وتقوم بعمليات عسكرية داخل أراضيه.
فمن الطبيعي جداً أن يتحدث بيانُ الجيش عن العدوّ الإسرائيلي وأن يتحرك على الحدود، ولكن لبنان المدمَّر والمنهار اقتصادياً ومالياً وعسكرياً غير قادر أصلاً على أي مواجهة عسكرية، لا بقوته الرسمية ولا بقوة أي جماعة مسلحة تحت أي تسمية كانت، التي تسببت حساباتها الخاطئة وتقديرات القوة المبالغ فيها في هزيمة قاسية بحرب الإسناد التي خاضتها، وقد تتسبّب في خسائر أخرى قاصمة إذا استمر السير على المنوال السابق.
مَن يُتابع واشنطن وإدارة البيت الأبيض يدرك مبكراً طريقة مقاربتها للأوضاع اللبنانية بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وهزيمة حرب الإسناد، وهي واضحة وصريحة بحجم انحيازها. وهذا لا يعني الاستسلام أمام مطالبها، لكن المطلوب، قبل أن نقع في مأزق العلاقة مع واشنطن، أن نتخلى أولاً - بوصفنا طبقة سياسية مسلّحة- عن التشاطر والاعتقاد بأننا قادرون على كسب الوقت أو اللعب على التناقضات الداخلية الأميركية، مثل التباينات بين إدارة البيت الأبيض ووزارتي «الخارجية» و«الدفاع»؛ حيث توجد أصوات ترفض الضغط على الجيش اللبناني وقيادته، ولكنها في الجوهر مجتمعة على اعتباره مقصّراً في تنفيذ وعوده بسبب قيادته السياسية.
فلا يمكن للدولة، مهما كانت ضعيفة، أن تبقى عالقة بين المطالب الأميركية وضغوط «حزب الله». ويبدو أن الأمين العام الجديد، الشيخ نعيم قاسم، كمن وصل إلى موقعه نتيجة انتخابات داخلية. فيما الحقيقة أن الحزب وقيادته الجديدة بحاجة إلى التخلي عن حالة الإنكار، والاعتراف بهزيمة حرب الإسناد، ومراجعة نتائجها، أما الخطابات أو التصريحات التي تصدر عنهم كأنها تفرض شروطاً على اللبنانيين، يمكن أن تشكّل ذريعة للعدوّ ليستخدمها حجة لتصفية حساباته، ليس فقط مع الحزب، بل مع لبنان.
أزمة الثقة بين لبنان والمجتمع العربي والدولي لا يمكن معالجتها، كما جاء على لسان رئيس الجمهورية جوزيف عون، باتهام بعض «الوشاة» بأنهم يضرّون بسمعة الدولة ومؤسساتها في واشنطن وبقية العواصم. معالجة الأزمة ليست بالتماس الأعذار الداخلية، ولا بالاكتفاء بتذكير الخارج بخطاب القسم والبيان الوزاري. فليس المطلوب صداماً داخلياً، ولا صراعاتٍ أهلية جديدة، بل المطلوب داخلياً كان واضحاً: دفع الأطراف إلى تسوية وطنية تنقذ لبنان والعهد. لذلك ليس من مصلحة أحد تقطيع الوقت مرة أخرى، بانتظار نضوج تسوية إقليمية يعتقد البعض أنها قد تمرّر سلاح «حزب الله». والنتيجة الآن أن الوقت قد ضاق على الجميع، وبات لبنان دولةً وشعباً ومؤسساتٍ في مواجهة تحديات قد تكون وجودية بالنسبة لأهل الجنوب إذا نفّذ العدو تهديداته.
أمّا الوشاية، في حالتنا يا فخامة الرئيس، فليست سرية، أي ليست فقط ما يُقال ضد عهدك في الأروقة المغلقة، بل هي أيضاً علانية، وعلى لسان كل مَن يُعلن عصيانه قرارات الدولة. أمّا الحكومة، يا دولة الرئيس، المعنية بنزع السلاح، فهي معنيّة أيضاً باحتضان أهالي حامليه. فهَيبة الدولة مطلوبة، لكنّ لها دوراً أساسياً في تضميد جراح أهل الجنوب بعد مقتلتهم، وليس تضميد الجراح السياسية للذين تسببوا في هذه المقتلة.
إقرأ المزيد


