س-ن-ن بالعربية - 8/19/2025 2:30:05 PM - GMT (+3 )

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في السابق، كان هناك أماكن يقصدها الناس هربًا من الحر خلال عطل الصيف. إذ يمكنك السفر إلى النرويج لمشاهدة مضائقها الشهيرة عالميًا، أو القيام برحلة إلى اسكتلندا للاستمتاع بجولة غولف معتدلة المناخ. أما زيارة لابلاند في السويد، فقد كانت تمنحك فرصة لرؤية حيوانات الرنّة عن قرب.
لكن قبضة القطب الشمالي الجليدية بدأت تضعف مع ارتفاع حرارة كوكب الأرض، وأصبحت هذه الوجهات الباردة والبعيدة أكثر عرضة لموجات الحر على نحو متزايد.
وقد عانى السيّاح في جنوب أوروبا خلال السنوات الأخيرة من حر شديد، من إسبانيا وفرنسا إلى إيطاليا ودول البلقان، لكن هذا الصيف، شهدت درجات الحرارة المرتفعة انتشارًا غير معتاد شمالًا، إذ ضربت موجات حر حقيقية دولًا لطالما ارتبطت بالبرد والثلوج شتاءً، وبالطقس المعتدل صيفًا، أي السويد، وفنلندا، والنرويج.
واندلعت حرائق غابات في أنحاء أوروبا وكندا، تزامنًا مع تحطيم الأرقام القياسية لدرجات الحرارة هناك وفي مناطق معتدلة أخرى مثل اليابان.
لذلك، فالرسالة التي يرسلها الكوكب واضحة، مفادها لا يمكنك الهروب من الاحتباس الحراري أو تجنّب آثاره، خصوصًا وأن المناطق الأقرب إلى القطب الشمالي هي الأسرع في الاحترار.
وقد شهدت المملكة المتحدة هذا الصيف، أربع موجات حر شديدة. وأصبحت مسألة الجفاف مصدر قلق هناك، في ظل الوتيرة المتكررة لموجات الحر، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية BBC وقناة "سكاي نيوز".
واجتاحت موجة حر شديدة مناطق إسكندنافيا وفنلندا لمدة تراوحت بين أسبوعين وثلاثة أسابيع في شهر يوليو/تموز، نتيجة مرتفع جوي قوي وبطيء الحركة أدّى إلى هبوط الهواء، وصفاء السماء، وتسجيل درجات حرارة مرتفعة غير مألوفة.
وقد ارتفعت درجات الحرارة في أماكن صُمّمت مبانيها للاحتفاظ بالحرارة، عوض طرد الهواء الساخن. وتوقفت حيوانات الرنّة عن الرعي في بعض المناطق، مفضّلةً الظل في القرى، ما أثّر على سبل عيش رعاة الرنّة.
قد يهمك أيضاً
وارتفعت حالات الأمراض المرتبطة بالحر، بل وحتى الوفيات، بشكل ملحوظ مع تحطيم الأرقام القياسية لدرجات الحرارة، لا سيّما في شمال فنلندا، والسويد، والنرويج.
وفي دراسة تناولت أثر الاحتباس الحراري الناتج عن النشاط البشري على هذه الظاهرة، خلص العلماء إلى أن احتمال حدوث موجة حر بهذه الشدة في أقصى الشمال قد تضاعف منذ العام 2018.
وأشار الباحثون إلى أنّ موجة حر كهذه أصبحت الآن أكثر احتمالًا بعشر مرات بالحد الأدنى، ممّا كانت عليه قبل ازدياد التلوث الناتج عن الوقود الأحفوري، وهي إحصائية يرجّح أنها تقلّل من حجم الواقع.
قد يهمك أيضاً
ووجد علماء من مجموعة "World Weather Attribution" أن موجة الحر في شمال أوروبا كانت أكثر سخونة بمقدار لا يقل عن نحو درجتين مئويتين، مما كانت ستكون عليه لولا تأثيرات تلوث المناخ.
ومع ذلك، أشاروا إلى أن هذا الرقم ربما تكون أدنى أيضًا من الحقيقة.
موجة الحر في دول الشمالموجة الحر في دول الشمال ليست سوى مثال واحد على تحوّل وجهات الصيف التي كانت باردة في السابق إلى أماكن أكثر عرضة للحرارة الخطرة، وهذا الأمر يستدعي من الدول التفكير في كيفية التعامل مع هذا التغير وحماية الناس من آثاره.
بالطبع، تعد "الحرارة الشديدة" مفهوما نسبيًا، إذ تعتبر موجة حر في منطقة ما طقسًا معتدلًا في منطقة أخرى، لكن تأثيرات الدفء غير المعتاد يمكن أن تكون قاتلة على أي حال.
وأشار تقرير "World Weather Attribution" إلى أن موجة الحر في يوليو/ تموز كانت الأطول في تاريخ فنلندا، حيث استمرت الحرارة بتخطي 30 درجة مئوية، لمدة 22 يومًا متتالية. وفي بلدة "Ylitornio" الواقعة على بُعد حوالي 32 كيلومترا جنوب الدائرة القطبية الشمالية، بقيت الحرارة فوق درجة 25 مئوية، لمدة 26 يومًا متتالية، وهو أمر لم يُسجّل من قبل في أقصى شمال أوروبا.
وقال ميكا رانتانن من المعهد الفنلندي للأرصاد الجوية، إن موجة الحر هذا العام شكّلت ضربة مزدوجة: "الصيف الماضي كان الأشد حرارة منذ ألفي عام، وها نحن هذا العام نواجه أطول موجة حر مسجّلة على الإطلاق".
وشهدت النرويج والسويد أيضًا درجات حرارة مرتفعة وطويلة المدى، وكانت استمرارية هذه الموجة هي ما جعلها تبرز مقارنة بموجات الحر السابقة في هذه المنطقة.
قد يهمك أيضاً
وقال إريك شيلستروم من المعهد السويدي للأرصاد الجوية إن عدد حالات الوفاة غرقًا ارتفع بشكل ملحوظ خلال يوليو/ تموز الماضي، بينما كان الناس يحاولون التخفيف من حرارة الجو بالسباحة.
وقالت فريدريكه أوتو، باحثة المناخ بكلية إمبريال لندن ومديرة مشروع "World Weather Attribution"، في بيان: "ينبغي أن تُؤخذ موجة الحر في يوليو كتحذير إضافي بأن لا دولة آمنة من تغير المناخ".
وتعد موجة الحر في دول الشمال أحدث مثال على كيف أن الأماكن التي اعتادت على الطقس البارد بدأت تتعرض لموجات حر خطيرة. إذ شهدت السنوات الماضية أيضًا موجات حر شديدة وحرائق غابات في كندا، إلى جانب ارتفاعات غير معتادة بدرجات الحرارة وذوبان الجليد في غرينلاند.
ورغم أن المجتمعات تعمل على التكيّف مع الفيضانات، والجفاف، والظواهر الجوية المتطرفة الأخرى، فإن السنوات الأخيرة سلّطت الضوء على الحاجة إلى أن تستعد حتى المناطق التي كانت باردة تاريخيًا لمواجهة الأمراض والوفيات المرتبطة بالحرارة.
إقرأ المزيد