إيلاف من القاهرة: في مشهد بدا وكأنه رسالة من قلب التاريخ إلى الحاضر، أعلنت بعثة أثرية مصرية عاملة في موقع تل الفرعون بمدينة الحسينية بمحافظة الشرقية، عن اكتشاف لوحة حجرية تمثل نسخة جديدة من مرسوم "كانوب" الشهير، في كشف وصفته وزارة السياحة والآثار المصرية بأنه "الأكبر من نوعه منذ أكثر من 150 عامًا".
اللوحة، التي كُشف عنها النقاب في بيان رسمي نشرته الوزارة عبر صفحتها على "فيسبوك" يوم الثلاثاء، تنتمي إلى العصر البطلمي، وتحديدًا إلى عهد الملك بطليموس الثالث الذي أصدر المرسوم عام 283 قبل الميلاد. وقد جاء هذا النص في سياق احتفائي، إثر اجتماع كبار كهنة مدينة كانوب (شرق الإسكندرية آنذاك) لتقديس الملك وزوجته برنيكي وابنته، مع تعميم نص المرسوم لاحقًا على المعابد الكبرى في البلاد.
النسخة المُكتشفة حديثًا تُعد سابقة أثرية، إذ لم يُعثر منذ أكثر من قرن ونصف القرن على نسخة جديدة كاملة من هذا المرسوم. وهو ما يمنح اللوحة المكتشفة أهمية استثنائية، بحسب ما أكّده وزير السياحة والآثار شريف فتحي، الذي رأى في الكشف تسليطًا جديدًا للضوء على القيمة الأثرية الغائرة لمحافظة الشرقية، تلك التي غالبًا ما طُمست تحت طين التهميش الأثري.
أما محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، فقد أوضح أنّ الاكتشاف لا يضيف فقط نسخة سابعة إلى ما هو معروف من نسخ مرسوم كانوب، بل يكشف عن نسخة كاملة منفردة كتبت بالكامل بالهيروغليفية، بخلاف سابقتها التي جاءت بثلاث لغات: الهيروغليفية، والديموطيقية، واليونانية. وهذه الخصوصية النصية تفتح أبوابًا جديدة لفهم أعمق للغة المصرية القديمة، كما تضيء زوايا معتمة في نظام المراسيم البطلمية والاحتفالات الملكية.
وتنضم اللوحة إلى سلسلة النسخ المكتشفة سابقًا في مواقع مثل كوم الحصن، وصان الحجر، وتل بسطة، بعضها كان كاملاً، وبعضها الآخر لم يسلم من عوادي الزمن. غير أن هذه اللوحة تتمايز ليس فقط بكمالها، بل بما تحمله من تفاصيل دقيقة عن أعمال بطليموس الثالث وزوجته، كمنح الهبات للمعابد، والحفاظ على السلم الداخلي، وتخفيف الأعباء الضريبية زمن انخفاض منسوب النيل.
اللوحة نفسها مصنوعة من الحجر الرملي، ذات قمة مقوّسة، ويبلغ طولها 127.5 سنتيمترًا، بعرض 83 سنتيمترًا وسمك 48 سنتيمترًا. وقد ورد في نص المرسوم المنقوش عليها توجيه بنسخ هذه اللوحات بثلاث لغات ووضعها في أهم المعابد، ما يجعل من النسخة الهيروغليفية الصرفة المكتشفة اليوم، إما استثناءً دقيقًا أو استدراكًا تاريخيًا يستحق التوقف عنده.
ويُعد العثور على هذه النسخة بمثابة نبأ يُحرّك المياه الراكدة في حوض الدراسات البطلمية، ويذكّر بأن تحت كل تلٍّ أثري قد يرقد خطاب ملكي ينتظر من يوقظه من سباته.