حلم مؤجل
إيلاف -

للأيام حكمة تقول: "الصبر مفتاح الفرج"، ولكن للبطالة حكمة أخرى تقول: "الصبر مفتاح اليأس والاكتئاب".

العالم كله أمامه، والأرض شاسعة، لكنه يجلس وحيدًا. تدور دقات الساعة في رأسه، تمر وتمر وهو يراقبها. أحلامه بسيطة: عمل جيد، زواج، أبناء. ولكن هيهات… أحلامه لم تتحقق، وتتناقص يومًا بعد يوم، وحيدًا بين الناس، هائمًا وتائهًا في الشوارع والطرقات.

نظرة المجتمع القاسية للعاطل تجعل حياته قهرًا، فتدخله في دائرة الحسرة والملل. اليوم الذي طال انتظاره كان أتعس يوم في حياته: يوم ظهور نتيجة البكالوريوس، الذي يفترض أن ينطلق بعده للعمل وكسب المال. لكنه لا يدرك حكمة الأيام وغدر الزمن.

يجمع أوراقه في حافظة بلاستيكية ويبدأ رحلة البحث الشاقة بين إعلانات الجرائد وأبواب الشركات والفنادق. قد تهلك الحافظة من البحث والشمس، فيستبدلها بأخرى، وأخرى…

أصبحت له سيرة ذاتية يلقيها هنا وهناك باللغتين العربية والإنجليزية، ولو شاء لجعلها بجميع لغات العالم. يمشي ويمشي، حتى أبلى الحذاء بعد الحذاء من المشاوير والسير على أسفلتٍ ساخن أيامًا وشهورًا. يسعى بالرغم من يأسه، وبالرغم من ألم التعب، لكنه يبتسم، يتعب من البحث، تنهار أحلامه، ويتبدد الأمل، حتى يدرك أنه لا جدوى ولا فائدة.

يقرر الاعتكاف في الغرفة التي شهدت طفولته ومراهقته وجميع مراحل حياته، ليسترجع ذاته التي فقدها. سئم الجلوس مع الناس والأصدقاء، يجلس وحيدًا، يسترجع الذكريات والأماني. عقله لا يتوقف عن التفكير: حزن، فرح، أيام جميلة، ذكريات حزينة… حتى يهرب منه ظله إلى النوم، الذي لا يخلو من الأحلام التي تسترجع ما يفكر فيه.

كل شيء حوله صامت: الأثاث صامت، وهاتفه صامت. بداخله صرخة صمت لا يسمعها أحد. الملل اللعين يجعله يغير موضع الأريكة أكثر من مرة. أصبح رجلًا ميتًا في غرفة سكنها كقبر له بلا حساب. تغيّرت ملامح وجهه… هناك عذاب نفسي يعانيه، محاط بالكذب بين وظائف خالية وإعلانات الجرائد اليومية، ووعود بتوفير وظيفة له.

"اصبر… اصبر"، هذه الكلمة التي يسمعها دائمًا من المحيطين به، أصبحت رفيقة حياته، جزءًا من هواء يمزج الأمل بالحياة. يتنفسها ليطرد الرجل الميت بداخله، ويحيا من جديد.



إقرأ المزيد