مسكّن الأفيون الشائع غير فعّال بما يكفي لتخفيف الألم المزمن
س-ن-ن بالعربية -

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تُستخدم مادة الترامادول، وهي أفيون صناعي قوي، على نطاق واسع لعلاج الألم المتوسّط إلى الشديد، لكنّ دراسة جديدة كشفت نتائجها عن أنّ مخاطر هذا الدواء تفوق فوائده "المحدودة" في حالات الألم المزمن، وأنّ استخدامه يجب أن يكون محدودًا جدًا.

وأظهرت الدراسة المنشورة في مجلة BMJ Evidence-Based Medicine، الثلاثاء، أنّ للترامادول تأثيرًا "طفيفًا" في تقليل الألم المزمن، لكن الأدلة الداعمة لذلك محدودة وضعيفة.

وقال الدكتور يانوس ياكوبسن، المؤلف الرئيسي للدراسة وأستاذ الطب السريري في جامعة جنوب الدنمارك بكوبنهاغن إنّ "النتائج تُشير إلى أنّ فوائد الترامادول موضع شك أو بالحد الأدنى غير مؤكدة. كما تشير الأدلة إلى احتمال وجود آثار جانبية ضارة".

وبحسب الدراسة، يمكن أن يسبّب الترامادول آثارًا جانبية خطيرة، من بينها مشاكل قلبية مثل ألم الصدر، وأمراض القلب، أو فشل القلب الاحتقاني.

قد يهمك أيضاً

وتابع ياكوبسن: "لذلك، ينبغي النظر في خيارات علاجية بديلة قبل وصف الترامادول. ويُنصح المرضى باستشارة أطبائهم لتحديد العلاج الأنسب لحالتهم، على أن تُخصّص هذه العلاجات غالبًا بحسب نوع الألم المزمن الذي يعاني منه المريض". 

وأضاف أنّ الأفيونات، كفئة دوائية عامة، قد تكون مسبّبة للإدمان، إذ يُقدَّر أنّ نحو 60 مليون شخص حول العالم يعانون من آثار الإدمان الناتجة عن الأفيونات، وغالبًا ما يُعتبر الترامادول أكثر أمانًا من غيره بين هذه الأدوية.

وأشار الباحثون إلى أنّ سجلّات الشركات المصنّعة تُظهر أن قرابة 12 مليون جرعة يومية من الترامادول استُهلكت حول العالم بين العامين 1990 و2009.

أُجريت الدراسة من قبل فريق بحثي في الدنمارك، وشملت تحليلًا لـ19 تجربة سريرية منفصلة قارنت بين استخدام الترامادول والدواء الوهمي في علاج أنواع مختلفة من الألم المزمن. وقد نُشرت هذه التجارب بين العامين 1998 و2024، وشارك فيها أكثر من 6,500 شخص تراوحت أعمارهم بين 47 و69 عامًا. وتناولت بعض هذه التجارب حالات مثل هشاشة العظام، وآلام الأعصاب الناتجة عن السكري، وآلام أسفل الظهر المزمنة.

وكتب الباحثون في دراستهم: "وفقًا لمعرفتنا، تُعدّ هذه أول مراجعة منهجية تتناول استخدام الترامادول لعلاج أيّ من أنواع الألم المزمن، مع إجراء تحليل شامل للآثار الجانبية المحتملة".

قد يهمك أيضاً

ووجد التحليل أنّ الترامادول يزيد من خطر التعرّض لآثار جانبية طفيفة وخطيرة على حدّ سواء، من بينها الغثيان، والدوار، والإمساك، والنعاس، ومشاكل في القلب، وحالات تُعرف باسم "الأورام الجديدة"، وهي نمو غير طبيعي ومفرط للخلايا والأنسجة قد يؤدي إلى تكوّن أورام، يمكن أن تكون حميدة أو سرطانية.

ووجد الباحثون أيضًا أن هناك "أدلة ضعيفة" تشير إلى أن الترامادول قد يقلّل من شدة الألم المزمن إلى ما دون مستوى معيّن أطلقوا عليه اسم "الحد الأدنى للاختلاف المهم".

وأوضح ياكوبسن أن شدّة الألم تُقاس عادةً باستخدام مقياس بصري أو عددي، مثل الطلب من المريض تقييم ألمه من 0 إلى 10، حيث يشير الرقم 10 إلى ألم لا يُحتمل. لكن نظرًا لاختلاف الإحساس بالألم من شخص لآخر، استخدم الباحثون حدًّا أدنى لتقييم الفارق السريري في قدرة الترامادول على تخفيف الألم مقارنةً بالدواء الوهمي، استنادًا إلى التجارب السريرية التي حلّلوها.

ولفت ياكوبسن إلى أنه "رغم أن التحليلات الإحصائية قد تكشف عن فروق في درجات الألم بين المرضى، إلا أن هذه الفروق قد تكون صغيرة جدًا بحيث لا يلاحظها المرضى بأنفسهم. لذلك، من الضروري تحديد الحد الأدنى للفارق السريري المهم مسبقًا عند تقييم مستويات الألم، لضمان أن النتائج تعكس تغييرات ذات معنى فعلي للمرضى".

في الدراسة الجديدة، اختار الباحثون "الحد الأدنى للفارق المهم" ليعادل نقطة واحدة على مقياس التقييم الرقمي من 10 نقاط. ويبدو أن التأثير المفيد للترامادول على الألم المزمن كان أقل من هذا الحد الأدنى للفارق المهم البالغ نقطة واحدة في المتوسط.

ولم ترد جمعية الأدوية المتاحة (Association for Accessible Medicines)، التي تمثّل شركات تصنيع الأدوية الجنيسة، فورًا على طلب CNN للتعليق على الدراسة الجديدة.

قد يهمك أيضاً

وقال الدكتور مايكل هوتن، اختصاصي تخدير وآلام لدى عيادات مايو كلينيك، في روتشستر، بولاية مينيسوتا، غير المشارك في الدراسة الجديدة إنّ "النتيجة الأساسية التي تشير إلى أن الترامادول في التجارب العشوائية الخاضعة للدواء الوهمي لم يحقق الحد الأدنى المحدد لتقليل درجات الألم بنقطة واحدة، لا يثير دهشتي كثيرًا"، مضيفًا أنّ "الأفيونات ليست أفضل الأدوية لعلاج الألم المزمن على المدى الطويل، بسبب مشكلة التحمل وعوامل أخرى قد تؤثر على مسار العلاج بالأفيونات على المدى الطويل. وبصفتي اختصاصي ألم يعمل سريريًا، تؤكد هذه المراجعة أساسًا العديد من العوامل السريرية التي أعرفها حدسيًا بالفعل". 

ورغم أنّ الدراسة وجدت أنّ للترامادول تأثيرًا "طفيفًا" في تقليل مستويات الألم المزمن، إلا أن ذلك يصاحبه زيادة في خطر التعرض لمشاكل قلبية مقلقة وآثار جانبية محتملة أخرى.

وأوضح ياكوبسن أن الدراسة الجديدة قد تكون مبالغًا فيها لِما يتعلق بفوائد الترامادول: "جميع التجارب المشمولة، باستثناء تجربتين، تم تقييمها على أنها ذات خطر تحيّز مرتفع. وهذا يزيد من احتمال أن نتائجنا قد تبالغ في تقدير الفوائد وتقلّل من تقدير الآثار الضارة للترامادول، الأمر الذي يُقدم رؤية أكثر إيجابية من الواقع لكفاءته". 

وأشار إلى أنّ "الترامادول يوصف على نطاق واسع لإدارة الألم المزمن وغالبًا ما يُعتبر أكثر أمانًا من غيره من الأفيونات، لكن من دون وجود أدلة تدعم ذلك. لذا يجب تقليل استخدام الترامادول وغيره من الأفيونات قدر الإمكان. وتوفر دراستنا أدلة تدعم هذا التوصية". 

واحدة من قيود الدراسة الجديدة تتمثّل بمدة متابعة المرضى التي اختلفت بين التجارب، ما يجعل من غير الواضح ما هي مخاطر الدواء مقابل فوائده على المدى الطويل.

وقال الدكتور جيسون تشانغ، أستاذ مساعد وخبير في طب العمود الفقري والطب العضلي الهيكلي التدخلي بكلية فاغيلوس للأطباء والجراحين في جامعة كولومبيا، لـCNN: "معظم التجارب المشمولة كانت قصيرة المدى، أغلبها 12 أسبوعًا أو أدنى، لذلك لا يمكننا استخلاص استنتاجات حاسمة بشأن السلامة على المدى الطويل أو الفوائد المستمرة". 

ولفت تشانغ، غير المشارك في البحث الجديد إلى "أنّ المراجعة جمعت معًا مجموعة واسعة من حالات الألم، ما قد يُخفي الفروق في كيفية تأثير الترامادول على تشخيصات محددة. وأخيرًا، قارنّت الدراسة الترامادول فقط بالدواء الوهمي، ولم تقارنه بعلاجات فعّالة أخرى، لذلك لا نعرف كيف يقارن بالبدائل مثل مضادات الالتهاب غير الستيرويدية أو أدوية الألم العصبي".

مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) هي أدوية مثل الإيبوبروفين والأسبرين. وقد يصف بعض الأطباء الترامادول للأشخاص الذين لا يمكنهم تناول مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، على سبيل المثال بسبب حالة صحية كامنة أو أدوية أخرى يتناولونها.

قد يهمك أيضاً

وقال تشانغ: "يمكن أن يكون الترامادول مفيدًا لبعض المرضى الذين لا يستطيعون تناول مضادات الالتهاب غير الستيرويدية أو يحتاجون إلى مساعدة قصيرة المدى لاستعادة وظائفهم، لكنه يجب أن يُوصف بأهداف وظيفية واضحة، ولمدة محدودة، مع مراقبة دقيقة للآثار الجانبية. لا أن تقتصر المناقشة على حظر الترامادول، بل على استخدامه بشكل أذكى، عبر دورات قصيرة، واختيار دقيق للمرضى، ودومًا كجزء من خطة تركز على الحركة، والوظيفة، وجودة الحياة".

وأشار الدكتور سانجاي غوبتا، كبير المراسلين الطبيين لدى CNN ومؤلف كتاب "It Doesn’t Have to Hurt: Your Smart Guide to a Pain-Free Life": إن نحو شخص من كل خمسة بالغين في الولايات المتحدة يعيشون مع ألم مزمن، مضيفًا أنّ هناك بدائل للأدوية. 

إذ، بحسب غوبتا: "في الإمكان تقليل الألم وربما القضاء عليه باستخدام قدرات أجسامنا وعقولنا على التعامل معه". وأوضح أن الخيارات تشمل التأمل واليوغا، والتدليك والوخز بالإبر، وحتى التركيز على تناول الأطعمة المضادة للالتهاب مثل الحبوب الكاملة والخضار الورقية، ما يساعد على تقليل استجابة أجسامنا للألم.



إقرأ المزيد