صناعة بملايين الدولارات تُهدّد وجودها.. قروش المياه العميقة تحصل على حماية تجارية
س-ن-ن بالعربية -

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بعيونها الخضراء اللامعة وأجسامها النحيلة، تعد أسماك القرش الغولبر (gulper) كائنات عصور ما قبل التاريخ غريبة الشكل، عاشت منذ ملايين السنين. وتنتشر في مختلف أنحاء العالم وموجودة في أعماق تتراوح بين 200 و1,500 متر، ولا تزال الكثير من المعلومات حولها مجهولة.

لكنها اليوم تواجه أزمة. إذ إن ثلاثة أرباع أنواع الغولبر مهدّدة بالانقراض، بعدما أصبحت هدفًا لصيدها من أجل زيت أكبادها الغني بشكل استثنائي بمركّب كيميائي يُعرف بـ"السكوالين"، الذي يُستخدم كثيرًا في مستحضرات التجميل لخصائصه المضادة للأكسدة والمرطبة للبشرة. 

وبحسب الصندوق الدولي لرعاية الحيوان، فقد عُثر على زيت كبد القرش في مجموعة واسعة من المنتجات، بدءًا من المكياج، ومرطبات ما بعد الحلاقة، وواقيات الشمس، وصولًا إلى لاصقات النيكوتين وعلاجات البواسير.

وقد تُحدث تدابير الحماية الجديدة للتجارة الدولية، التي أُعلنت في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خلال مؤتمر الأطراف العشرين لاتفاقية الاتجار الدولي في الحيوانات والنباتات البرية المهدّدة بالانقراض "سايتس"، الذي عُقد في سمرقند بأوزبكستان، تحوّلًا في مصير هذه القروش القاعية. فقد أشاد  الصندوق الدولي لرعاية الحيوان بهذه الخطوة بوصفها "لحظة فاصلة" في مجال الحفاظ على الحياة البحرية، بعد منح أكثر من 70 نوعًا من القروش والشفانين حماية أقوى من التجارة الدولية.

قد يهمك أيضاً

وأُدرجت قروش الغولبر في الملحق الثاني لاتفاقية "سايتس"، الذي ينظّم تجارة هذه الأنواع عبر الحدود الدولية ويحسّن مراقبتها، بينما رُفع مستوى حماية أنواع أخرى، مثل القرش الحوتي المهدد بالانقراض، والقرش المحيطي ذو الطرف الأبيض، وأسماك المانتا، إلى الملحق الأول الذي يحظر كل أشكال التجارة التجارية بهذه الأنواع ومنتجاتها.

من جانبه، صرّح لوك وارويك، مدير برنامج الحفاظ على القروش والشفانين في جمعية الحفاظ على الحياة البرية، في بيان صحفي، أن هذا القرار كان في غاية الإلحاح.

وقال: "أسماك القرش والشفانين هي ثاني أكثر مجموعة من الكائنات تعرضًا للخطر على كوكب الأرض، والعديد منها ينفد الوقت أمامه.. إنّ تصويت اليوم يمنحها فرصة حقيقية للتعافي".

نحو الأعماق

أسماك القرش الغولبر

يتم صيد أسماك القرش الغولبر للحصول على زيت الكبد، الذي يحتوي على تركيز عالٍ بشكل خاص من مادة السكوالين.Credit: Courtesy IFAW

يمثّل هذا الإعلان فوزًا مهمًا لسكان أعماق المحيطات، الذين طالما تجاهلتهم لوائح التجارة. فرغم إدراج أكثر من 145 نوعًا من أسماك القرش والشفانين في الملحق الثاني للاتفاقية قبل اليوم، لم يكن منها أي نوع قاعي عميق.

لكن مع توسّع صيد الأعماق، مدفوعًا بتطور التكنولوجيا وانخفاض مخزون الأسماك في المياه الساحلية الضحلة، أصبحت هذه الأنواع أكثر عرضة للخطر.

تشير دراسة نُشرت في العام 2024، في الدورية العلمية "Science"، وتناولت أوضاع 521 نوعًا من أسماك القرش والشفانين في المياه العميقة، إلى أنّ نحو ثلثي أسماك القرش المهدّدة بالانقراض استُخدمت في منتجات زيت الكبد. 

وتُعد أسماك القرش الغولبر، التي يمكن أن يصل طولها إلى مترين، من أكثر الأنواع قيمة نظرًا لاحتواء زيت أكبادها على أكثر من 70% من "السكوالين"، وهي أعلى نسبة بين جميع   فصائل أسماك القرش. نتيجة لذلك، انخفضت أعدادها بأكثر من 80% في بعض المناطق.

وأوضح مات كوليس، المدير الأول للسياسات في الصندوق الدولي لرعاية الحيوان، أن هذا الانخفاض حدث خلال العشرين إلى الثلاثين عامًا الماضية. 

قد يهمك أيضاً

وقال لـCNN: "مرد ذلك إلى فهم قيمة زيت كبد الحوت تحديدًا، لكن أيضًا إلى أن مصائد الأسماك التي أصبحت أكثر تطورًا وقادرة على استهداف الأنواع التي تعيش في المياه العميقة بسهولة أكبر مما كانت عليه في الماضي".

وقد يكون هذا التراجع الهائل كارثيًا على قروش الغولبر، التي تنضج جنسيًا في سن متأخرة ولديها معدلات تكاثر بطيئة. وبمجرد انخفاض أعدادها، قد تستغرق سنوات طويلة للتعافي. 

وتشير تقديرات علمية إلى أن قرش "الغولبر الغبي"، الذي سُمّي كذلك لأنه يبدو خاملًا عند صيده، نوع تعرّض لصيد مفرط في أستراليا، سيحتاج إلى 86 عامًا لاستعادة 25% فقط من حجمه السكاني الأصلي.

وقال كوليس: "إنها أقرب في سلوكها التكاثري إلى الثدييات منها إلى أنواع الأسماك الأخرى. وهذا يجعلها ضعيفة للغاية أمام ضغوط الصيد".

صناعة بملايين الدولارات

أسماك القرش الجولبر

قرش الغولبر عالق في شبكة سفينة صيد قاعية. Credit: Courtesy IFAW

لكن قروش الأعماق تواجه صناعة تدرّ ملايين الدولارات. فوفقًا لشركة "Grand View Research"، بلغ حجم السوق العالمي للسكوالين نحو 150 مليون دولار في العام 2023. ورغم أنّ 80% من هذا السكوالين مصدره النباتات، خصوصًا زيت الزيتون، تشير التقديرات إلى أن استخراج طن واحد من السكوالين يتطلب نحو 3,000 قرش. ولا تتوفر بيانات دقيقة حول حجم تجارة زيت كبد القرش سنويًا، لكن الطلب العالمي قُدّر بنحو 2,000 طن في العام 2012.

وتعد صناعة مستحضرات التجميل والعناية الشخصية أكبر مستهلك للسكوالين، بحصة تتجاوز 70%. وقد تعهّدت بعض الشركات، مثل "لوريال" و"يونيلفر" (التي تملك علامات مثل "دوف" و"فازلين")، بالتوقف عن استخدام زيت كبد القرش منذ العام 2008، والاعتماد على بدائل نباتية. لكن شركات أخرى واصلت استخدامه، فوفق دراسة عالمية أجرتها منظمة BLOOM في العام 2015، وشملت 72 كريم ترطيب، احتوى 20% منها على سكوالين مشتق من القروش، وكانت نسبة كبيرة منها علامات آسيوية.

وتستخدم علامة "Biossance" الجمالية سكوالين مشتقًا من قصب السكر منذ تأسيسها العام 2016، وقال متحدث باسمها لـCNN إن السكوالين النباتي المُهندس حيويًا يمكنه اليوم محاكاة الزيوت المرطِّبة الموجودة في أكباد القروش. 

وأضاف: "تثبت منتجاتنا المبتكرة أن البدائل المستدامة ليست موجودة فحسب، بل تقدم نتائج متفوقة".

وأشار كوليس إلى أنّ الضغط على العلامات التجارية للتوقّف عن استخدام زيت كبد القرش وتحسين شفافية الملصقات حتى يتمكن المستهلكون من اتخاذ قرارات واعية أمر مهم، لكن تنظيم التجارة يظل الأكثر فعالية في حماية أسماك القرش الغولبر.

قد يهمك أيضاً

وأضاف: "اتفاقية سايتس واحدة من القلائل على المستوى الدولي التي تمتلك آلية تنفيذ فعلية. فإذا استمرت الدول في التجارة بأحجام كبيرة من دون إجراء تقييمات استدامة مناسبة، أو إذا لم تكن تحصل على الأنواع بطريقة قانونية، فقد يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى تعليق التجارة. وهذا يشكل حافزًا حقيقيًا للدول لتحسين إدارة مصايدها إن أرادت الاستمرار بالتجارة في هذه الأنواع".

وخلال العقدين الماضيين، أُثيرت المخاوف بشأن انخفاض أعداد أسماك القرش الغولبر، وطُرحت الدعوات لإدراجها على الملحق الثاني مرارًا في اجتماعات سايتس. وأشارت أحدث مقترحات الإدراج، بقيادة الحكومة البريطانية، إلى أن الخطوة تأخرت كثيرًا، وأنه "من الضروري تنظيم التجارة الدولية قبل أن تنخفض أعدادها أكثر إلى درجة تتطلب إدراجها في الملحق الأول".

ومع سماح دول مثل المالديف، التي حظرت صيد قروش الغولبر العام 2010، بعد انخفاض أعدادها بنسبة 97% خلال 21 عامًا، بإعادة فتح مصايدها أخيرًا، باتت اللوائح الدولية أكثر أهمية لتقييد التجارة، بحسب كوليس.

وقد تساعد هذه الخطوة التاريخية على إنقاذ أنواع أسماك القرش الغولبر قبل أن تصل إلى حافة الانقراض. 



إقرأ المزيد