س-ن-ن بالعربية - 12/4/2025 5:12:05 PM - GMT (+3 )
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عندما توقّف "هايبرلوب وان" عن العمل في ديسمبر/كانون الأول 2023 كان الشعور السائد والفعلي: "هايبرلوب انتهى". انتهى الحلم.
بدا أنّ فكرة الهايبرلوب، أي القطارات التي "تطير" داخل أنابيب مضغوطة وتنطلق من مدينة إلى أخرى بسرعة نحو 1,126 كيلومترًا في الساعة، قد طُويت صفحتها.
يُعدّ قطار "هايبرلوب وان" الذي كان اللاعب الأبرز في ساحة الهايبرلوب المزدحمة، وشهد استثمارات من مجموعة "فيرجن" التي أسّسها ريتشارد برانسون، من الشركات التي لم تتمكن من تحقيق توازن مالي.
لكن، بعد نحو عامين، لا تزال مشاريع الهايبرلوب قائمة في مناطق أخرى من العالم.
تعمل مجموعة من الشركات في الصين وأوروبا على تطوير هذه التكنولوجيا، بينما يدعم الاتحاد الأوروبي بحوث مشروع يأمل في افتتاح خطه الأول بعد أكثر من عقد من الزمن.
قد يكون تحقيق هذا الأمر مجرد حلم بعيد المنال. فأي جهة تخطّط لإنشاء خط هايبرلوب تواجه مهمة شاقة تشمل التمويل، وبناء البنية التحتية اللازمة، وحدود قوانين الفيزياء نفسها. لا يزال كثيرون في قطاع السكك الحديدية يشكّكون في أنّ الهايبرلوب قد يصبح يومًا أكثر من مجرد فكرة نظرية.
ويرى العاملون على هذه التكنولوجيا أنّ بإمكانهم، خلال جيل أو اثنين، جعلنا ننطلق بسرعة هائلة داخل أنابيب عالية السرعة تحت الأرض ربما أو فوقها داخل أنبوب مُشيّد على ركائز.
قرن من التبلور
فيما تنقل شبكات القطارات فائقة السرعة المسافرين حول العالم بمئات الكيلومترات في الساعة، ظلّ المهندسون يحلمون منذ أكثر من قرن بالوصول إلى سرعات تُماثل سرعة الطائرات من دون الحاجة إلى الإقلاع.
وعلى مرّ العقود، طُرحت أنواع شتّى من التقنيات الغريبة والمبتكرة لتحقيق سرعات لا تستطيع القطارات التقليدية منافستها. فقد جرى الترويج لـ:
- الرفع المغناطيسي،
- والتيارات الهوائية،
- والسكك الأحادية المزوّدة بمحركات نفاثة،
- والأنابيب المفرّغة باعتبارها "مستقبل السفر".
لكن حتى الآن، لم تنجح أيٌّ منها في إزاحة منظومة العجلات الفولاذية على القضبان الفولاذية الموصوفة بأنها أكثر وسائل النقل الجماعي كفاءة في العالم.
قد يهمك أيضاً
لكن هل يمكن أن يكمن سرّ القطارات فائقة السرعة في القرن التاسع عشر؟ ففي مانهاتن، خلال القرن التاسع عشر، ابتكر المخترع الجريء ألفريد بيتش تصميمًا لأنبوب هوائي عملاق يمتد تحت شارع برودواي. وكان هذا الأنبوب، الذي يشبه النسخة الموسّعة من أنظمة إيصال الرسائل بالأنابيب الهوائية المستخدمة في المتاجر الكبرى والمستشفيات، سيعتمد على ضغط الهواء لدفع الركاب داخل كبسولات محكمة الإغلاق بسرعة عالية صعودًا وهبوطًا على طول الجزيرة.
هل يبدو ذلك مألوفًا؟ في العام 2013، اقترح إيلون ماسك وسيلة نقل تُعرف باسم "هايبرلوب". في جوهرها، هي قطارات تسير داخل أنابيب مُفرَّغة من الهواء، قادرة على نقل المسافرين من مدينة نيويورك إلى واشنطن خلال 30 دقيقة فقط.
جمع مفهوم ماسك بين تقنية الرفع المغناطيسي "ماغليف"، المُستخدمة أصلًا في آسيا، وأنابيب منخفضة الضغط للحد من مقاومة الهواء والاضطرابات. والنتيجة؟ سرعات تصل نظريًا إلى نحو 1,223 كيلومترًا في الساعة، باستخدام طاقة أقل بكثير من القطارات فائقة السرعة، أو قطارات ماغليف المكشوفة، وبمستويات ضجيج شبه معدومة.
الضجة الإعلامية
أثار مفهوم ماسك، الذي لم يُسجّل له براءة اختراع، اهتمامًا عالميًا واعتُبر أكثر من مجرد تطوير للقطارات السريعة، إذ رآه البعض بديلاً للطيران.
بحلول 2017، اقترح 35 مسارًا في 17 دولة، وحصل "هايبرلوب وان" على دعم "فيرجن" واستثمارات تفوق 400 مليون دولار قبل أن تنسحب لاحقًا، فركزت على نقل البضائع قبل التخلي عن المشروع نهائيًا.
وفي 2022، أعلن ماسك أنّ "ذا بورينغ كومباني" ستبني هايبرلوب عمليًا، لكن تركيزها الحالي على مشاريع أخرى، ويبقى الهايبرلوب خيارًا نظريًا، مشكوكًا في إمكانية تحقيقه عمليًا.

يقول خبير السكك الحديدية والمؤلف كريستيان وولمار: "الهايبرلوب غير قابل للتنفيذ. فكلفة بناء البنية التحتية التي يحتاج إليها مرتفعة جدًا، ولا يمكن لهذه التكنولوجيا توفير القدرة الاستيعابية اللازمة لمنافسة السكك الحديدية فائقة السرعة أو شركات الطيران".
وتطرق إلى أنّ عملية البناء "لا تتكامل مع وسائل النقل القائمة، والبنية التحتية المطلوبة للوصول إلى مراكز المدن، وستسبب ضجيجًا واضطرابات لا تُحتمل".
وتابع: "ثمة شكوك بشأن تكاليف الطاقة، والقدرة الاستيعابية، وسلامة الركاب في حال حدوث خطأ عند هذه السرعات العالية. انسحب ماسك وبرانسون لأن الجدوى الاقتصادية غير قائمة".
ورغم أنّ حتى لاعبين كبار مثل ماسك وبرانسون لم يتمكّنوا حتى الآن من جعل الهايبرلوب قابلًا للتطبيق، إلا أن الحلم مستمر. لا تزال مجموعة من الشركات حول العالم تعمل على تحويل التكنولوجيا إلى واقع. ويبدو أنّ أوروبا الصديقة للسكك الحديدية أصبحت المركز الجديد للهايبرلوب، مع أربع شركات مخصصة له.
رويل فان دي باس، المدير العام لإحدى هذه الشركات: "هاردت هايبرلوب" ومقرّها روتردام، مقتنع بأن الهايبرلوب هو الحلقة المفقودة لتكنولوجيا السكك الحديدية والحل المستدام والعملي الوحيد لاستبدال رحلات الطيران القصيرة لمسافات تزيد عن 500 كيلومتر.
قد يهمك أيضاً
وأوضح "أنه أكثر كفاءة بنسبة 90% مقارنة بالطيران، وتكاليف التشغيل والصيانة أقل بكثير من السكك الحديدية فائقة السرعة التقليدية، وكونه نظامًا مغلقًا ومستقلًا، فهو لا يتأثر بالعوامل الخارجية مثل سوء الأحوال الجوية أو الإضرابات".
فيما كان دعاة الهايبرلوب في السابق يتخذون موقفًا حادًا قد يزعج كثيرين في صناعة السكك الحديدية، يرى فان دي باس الأمر على نحو مختلف، واصفًا إياه بأنه "مجرد شكل آخر من أشكال النقل بالسكك الحديدية".
وشرح أنه "لا يحلّ مكان السكك الحديدية، بل يكملها. فالسكك التقليدية هي الحل الأمثل على المستوى الحضري والإقليمي، والقطارات فائقة السرعة تعمل على مسافات تتراوح بين 320 و480 كيلومترًا. أما الهايبرلوب فيمكن أن يجعل السكك الحديدية تعمل على المستوى القاري. في الواقع، قد يكون منقذًا للسفر بين المدن".
الحلم الكبير
فمن يواصل حلم هايبرلوب؟ بدايةً، الاتحاد الأوروبي. يُعدّ برنامج تطوير الهايبرلوب في أوروبا (HDP) شراكة بين القطاعين العام والخاص، مدعومة بتمويل الاتحاد الأوروبي والقطاع الخاص.
تتمثل رؤية البرنامج في افتتاح أول مجموعة من خطوط الهايبرلوب القابلة للتشغيل تجاريًا بين العامين 2035 و2040، تليها شبكة خطوط بحلول العام 2050. ويقدّر البرنامج أن شبكة بطول 24,140 كيلومترًا تربط 130 مدينة رئيسية في أوروبا يمكن أن تنقل 66% من ركاب الرحلات القصيرة إلى الهايبرلوب بحلول 2050، موفرة بين 113 و242 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ستنتشر المحاور الرئيسية للشبكة في أنحاء القارة، من لندن إلى برلين، ومدريد إلى بلغراد، وصوفيا إلى أثينا، في حين ستخدم الحلقات شبه الجزيرة الإيبيرية ودول البلطيق والإسكندنافيا، والبلقان وأوروبا الوسطى والشرقية. والتكلفة؟ نحو 981 مليار يورو، أي حوالي 1.1 تريليون دولار، وفق تقديرات HDP.
لا يشمل هذا الرقم الكبسولات، التي ستوفّرها شركات خارجية مثل هاردت هايبرلوب، التي تقترح أن تحمل كبسولاتها بطول 24.4 مترًا نحو 40 راكبًا، تعمل بفواصل زمنية قصيرة على خطوط من نقطة إلى نقطة مثل لندن إلى ستوكهولم. وستتيح "مخارج" للكبسولات خدمة وجهات أخرى مثل أمستردام وهامبورغ على طول الخط الرئيسي. وتقول الشركة إن هذا قد ينقل ما يصل إلى 20,000 راكب في الساعة بكل اتجاه.
هل هو مجرد خيال؟ في سبتمبر/أيلول 2025، أعلنت هاردت أنها طورت بنجاح نظام "تبديل المسار"، الذي يسمح للكبسولات بالانتقال بسهولة بين الأنابيب للوصول إلى وجهات مختلفة. وهذه خطوة تشغيلية ضرورية لطالما اعتُبرت "قاتلة للتكنولوجيا" بالنسبة للهايبرلوب، لذا فإن نظامًا عاملاً سيتجاوز أحد العقبات الرئيسية للتقنية.
وفي الأشهر الأخيرة، حسّنت الشركة أيضًا مركبة الاختبار، مع زيادة الدفع بنسبة 50% وتقليل وزن البوجي بنسبة 45% لتتسارع من صفر إلى 85 كيلومترًا بالساعة في مسافة 137 مترًا. ما يجعلها أول شركة في العالم تحقق تقدمًا موثوقًا على طريق جعل الهايبرلوب واقعًا.

يقول فان دي باس: "لقد أثبتنا أنّنا قادرون على تنفيذ المشروع وجعله قابلًا للتوسيع. والخطوة التالية تتمثل بتطوير مسار اختبار متكامل أطول حيث يمكن التحقق من كل شيء، التحويلات، والمحطات، والرسو والإقلاع، وأنظمة الطاقة، وغيرها".
في الوقت عينه، يأمل القائمون على مشروع HDP المدعوم من الاتحاد الأوروبي أن يكون لديهم مسار اختبار كامل المقياس يصل طوله إلى حوالي 4.8 كيلومتر جاهزًا للتشغيل بحلول نهاية 2029، يليه مسار مزدوج بطول32-48 كيلومتراً يُعرف بـ"المختبر الحي"، ليُحاكي جميع جوانب التشغيل اليومي والخدمة العامة، ومن المقرر أن يكون جاهزًا بحلول العام 2034.
إقرأ المزيد


